اقتراب ملكوت الله | بنو الملكوت | ج1
تحدثنا في المقال السابق عن رسالة يسوع المسيح الأساسية وهي “ملكوت الله”، ومن هم بنو الملكوت. وسوف نستكمل في هذا المقال الحديث عن اقتراب ملكوت الله.
توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات. (متى 17:4)
ماذا يقصد بكلمة “توبوا”؟
وما هو المقصود بعبارة “اقترب ملكوت الله”؟
في ذلك الوقت، كان تعبير “ملكوت الله” بالنسبة لليهود يعني التحرر من المُلك الأجنبي، وعودة ملكوت الله مثلما كان تحت داود “مملكة الله / مملكة يهوذا”. لكن يسوع كان يشرح لهم أن عبارة “اقترب ملكوت الله” لا تحمل هذا المعنى، فهي لا تعني اقتراب مُلك سياسي. ولكن، اقترب منكم ملكوت الله بمعنى: أنه في يسوع اقترب مُلك الله الروحي على الإنسان.
توبوا: لا يُقصد بها مجرد الامتناع عن ارتكاب الخطايا، لكنها تحمل معنى أعمق من هذا.
فهي تعني غيّر طريقة تفكيرك عن ملكوت الله، أي توبوا عن التفكير في ملكوت الله بهذه الطريقة، بمعنى آخر فكّروا في ملكوت الله مُلكًا روحيًا على قلوبكم.
هكذا تصبحون بالفعل مثلما دعاكم يسوع “بنو الملكوت“.
طوبى للحزانى، لأنهم يتعزون. (متى 4:5)
ما هذا الكلام الغريب الذي يقوله يسوع!!
هل من الضروري أن يصبح الشخص حزينًا لكي يدخل ملكوت الله؟!
يُعلم يسوع في كل التطويبات، أن ملكوت الله أصبح قريبًا. كما أنه يختلف عن المُلك والمملكة في نظر الناس. ولن يدخل ملكوت الله إلا غير المستريحين وغير المتوافقين مع ملكوت العالم.
“الحزانى” ليسوا مَن يشعرون بالحزن، الحزانى باللغة الإنجليزية تأتي بمعنى “those who grieve” أي الفاقدين. على سبيل المثال، الذين فقدوا أرضًا، الذين فقدوا أسرة، الذين فقدوا صحة، الذين فقدوا شبابهم.
ليس من الضروري أن يكون لديكم ممتلكات لكي تدخلوا ملكوت الله، فإذا كنتم فاقدين “حزانى”، سوف يقبلكم ملكوت الله.
لم يكن هذا مجرد تعليم يسوع، لكنها كانت حياة يسوع.
تعالوا إليّ يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال، لكي تتغيروا وتصيروا “بنو ملكوت الله“، وليس بنو ملكوت العالم.
طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض. (متى 5:5)
من هم الودعاء؟
الوديع في ثقافة الكتاب المقدس ليس هو الإنسان اللطيف أو (cute) وغير المُشاغب. بل الودعاء هم الذين لا يملكون أرضًا أو مالًا، وليس لديهم سطوة.
على سبيل المثال من ليس له برًا .. مقبول في ملكوت السماوات، من ليس لديه مالًا .. أيضًا مقبول في ملكوت السماوات، كذلك الخطاة .. مقبولون في ملكوت السماوات.
يريد يسوع أن يقول: إن ملكوت الله أو “ملكوت السماوات”، ليس مثل الملكوت الأرضي الذي يُحابي الأقوياء والأغنياء. بل إنه ملكوت مفتوح للجميع.
الودعاء يرثون الأرض، ويتلذذون في كثرة السلامة. (مزمور 11:37)، أي مَن لا يمتلكون أرضًا في هذا العالم، لهم أرضًا في ملكوت الله.
هكذا يختلف الملكوت الأرضي عن ملكوت الله، وبنو الملكوت الأرضي عن “بنو ملكوت الله“.
طوبى لصانعي السلام، لأنهم أبناء الله يدعون. (متى 9:5)
ما هو مصير الذين صنعوا سلامًا، ووقّعوا معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل؟
السادات ورابين … كلاهما قُتلا!!
السادات تم قتله على يد مصريين مسلمين، كذلك رابين تم قتله على يد يهود إسرائيليين.
في ملكوت العالم – خاصةً في وقت وجود يسوع على الأرض – كان الملكوت للمنتصر في الحرب.
على فراش الموت، عندما سألوا الإسكندر الأكبر: من يخلفك؟ قال لهم كلمة واحدة: الأقوى.
لكن يسوع مختلف. فقد علَّمنا يسوع أنه في ملكوت الله طوبى “لصانعي السلام”، الذين ربما يعتبرهم العالم “ضعفاء”.
في صعيد مصر، يوجد ما يُسمى بالثأر، وفيه تنتقم عائلة القتيل من عائلة القاتل، والعكس لسنين عديدة. إلى أن يأتي شخص يحمل كفنه ويذهب للعائلة التي ترغب في الانتقام منه. وهنا يوقف الثأر، فلا يستطيعون قتل هذا الشخص، لأنه “صانع سلام”، لكنهم يعتبرونه خائن وخائف وجبان وعار عليه وعلى أسرته أنه حمل كفنه وذهب للعائلة التي تريد قتله.
هؤلاء هم صناع السلام في العالم؛ يتم قتلهم، لأن العالم يحب الحرب، ويحب الأقوياء!
علّمنا يسوع عن اقتراب ملكوت السماوات، وطوبى لغير المستريحين في ملكوت العالم، لأنهم سيكونون أكثر استعدادًا لدخول ملكوت الله.
من بين غير المستريحين هم من يحبون السلام وسط عالم يحب الحرب. لذلك طوبى لصانعي السلام لأنهم “بنو الملكوت“.
طوبى للأنقياء القلب، لأنهم يعاينون الله. (متى 8:5)
هل معنى “أنقياء القلب” أنهم أبرار وبلا خطية؟!
“أنقياء القلب” هم الذين يعانون في الملكوت الأرضي لأنهم شفافين، لأنهم ببساطة يظهرون ما في قلوبهم على لسانهم.
فربما يعاني هؤلاء في ملكوت العالم، ملكوت البشر، ملكوت القوة، ملكوت السطوة، ملكوت المؤامرات التي تحاك في الظلام، الاستيلاء على الحكم .. الذين لا يصرّحون بما في قلوبهم.
لكن في ملكوت الله .. حيث تقول ما في قلبك، فأنت مقبول في ملكوت الله، وربما تخسر من الناس، لكن ستعاين الله.
ماذا يقصد بـ “يعاينون الله”؟
أي يمكنهم رؤية الله. لأن الشفافية تجعلك ترى.
بنو الملكوت يهمهم أن يروا الله أكثر من أن يروا الناس أو يراهم الناس أو يظهرون بشكل لائق أمام الناس (عندما يقولون ما يريد الناس سماعه).
هؤلاء من يقولون ما في قلوبهم، سواء يريد الآخرون سماعه أم لا، هم شفافون، الشخص الشفاف يرى الله.
هؤلاء هم “بنو الملكوت“.
نقلًا عن د. أوسم وصفي
طوبى لصانعي السلام – طوبى للأنقياء القلب
يفيدك أيضًا الاطلاع على:
اقتراب ملكوت الله | بنو الملكوت | ج2
أسلوب حياة الملكوت | بنو الملكوت
قوة ملكوت الله | بنو الملكوت | ج1
قوة ملكوت الله (المحبة) | بنو الملكوت | ج2
شاهد سلسلة بنو الملكوت – د. أوسم وصفي
اترك تعليقاً