بر الملكوت | بنو الملكوت | ج2

مظاهر بر الملكوت

تحدثنا في المقال السابق عن مفهوم بر الملكوت، الذي هو بر تغيير القلب وسوف نستكمل في هذا المقال الحديث عن مظاهر هذا البر لبنو الملكوت.

 

ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا

نحن كمسيحيين لا نحلف بالله أو ما شابه ذلك. نحن نقول: “صدقني”.. وأحيانًا نقول كلمات مشابهة.

لكن يسوع قال: ولا حتى صدقني!

قد سمعتم أنه قيل: لا تحنث بل أوفِ للرب أقسامك.

ماذا يعني هذا؟! هذا يعني لا تحلف باطلًا.. عندما تحلف بشيء فافعله.

أما أنا (يسوع) فأقول: لا تحلف مطلقًا، بل ليكن كلامكم: نعم نعم، لا لا (متى 37:5)، وأي كلمة زائدة فمن الشرير حتى إذا كانت “صدقني”.. حتى إذا كانت “أمام الله”.. حتى إذا كانت “شرف مسيحي”.

لماذا؟ ما هي المشكلة؟

بر الكتبة والفريسيين.. بر شكلي (ظاهري).. أي عندما تحلف (أو تقول “وحياة شيء” أو “عليّ شيء”) تفعل. عندما تنذر.. توفِ النذر

لكن يسوع دخل لما هو أعمق..

لماذا يحلف الإنسان؟

يعتبر القَسَم نوع من المناورة، بمعنى أني أضغط عليك لكي تصدقني. “لأنني قلت كلمة ما، فيجب عليك أن تصدقني”.

لا، لا يريدنا المسيح أن نسيطر على الآخرين، بل نعطيهم الحرية أن يصدقونا أو لا يصدقونا. لا نقول أي كلمة لكي نضغط عليهم فنجعلهم يصدقونا.

ليكن كلامك مثبتًا أو منفيًا.. نعم نعم أو لا لا، ولا تزيد في الكلام. لماذا؟ لأن الإضافات في الكلام نابعة من قلب يريد السيطرة على الآخر.

إن قوة ملكوت الله تكمن في الحرية. أن نطلق الآخرين أحرارًا. نقول ما في قلبنا ومَن يصدقنا فليصدقنا، ومَن لا يصدقنا فلا يصدقنا. لا نحلف لأننا لا نريد أن نرغم أحدًا لكي يصدقنا.

هؤلاء هم “بنو الملكوت”.

 

من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا

هل صحيح أن يسوع يقول من لطمك، أعطِ له الخد الثاني، لكي يلطمك مرة أخرى؟! ما هذا؟

تحدث يسوع عن بر الملكوت، وكيف أن هذا البر مختلف عن بر الكتبة والفريسيين الذي يريد إيقاف الشر، إيقاف القتل، إيقاف الزنا.

كيف يوقفه؟ بالردع.

يعني أن مَن يَقتل يُقتل، فيخاف الناس أن تقتل، كذلك مَن يزني يُرجم، فيخاف الناس أن تزني، وأيضًا مَن يؤذي أحدًا في شيء، يؤذى بنفس القدر.

تكلم يسوع عن منع الشر بطريقة مختلفة.

قد سمعتم أنه قيل: عين بعين وسن بسن، أما أنا فأقول: لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا. (متى 38:5)

يسوع هنا يدخل إلى منطقة عميقة جدًا. مقاومة الشر تزيده.

لقد رأينا ذلك.. إن ضربك أحد فضربته، سيضربك ثانيةً فستضربه ثانيةً … وتصبح كمن يريد أن يطفئ النار بالنار.

إنما النار لا تنطفئ بالنار. النار تنطفئ بعكسها. تُطفأ بالمياه.

ترددت كثيرًا قبل أن أحكي هذه القصة .. لكن أريد أن أحكيها لأنها اختبار عملي عِشته بنفسي.

في يوم 8 ديسمبر سنة 2013، كُنت موجودًا فيما يسمى اعتصام الاتحادية، وكان في هذا الموقف، إثنين أو ثلاثة من الرجال مجتمعين ضد شابة صغيرة في ركن ويريدون ضربها بالعصي.

فقلت لهم: أنتم لستم رجالًا! كي تستعرضوا قوتكم على فتاة. فتركوها وأتوا ناحيتي. فقلت لمن واجهني وهو يمسك العصا: أنت تريد أن تضربني؟ تفضل. فاستدار ومضى وتركني.

لماذا؟ لأن هذه طبيعة البشر، هو يضربك إن أراد أن يضربك. لكن لو قلت له اضربني، لن يضربك. لماذا؟ لأنه بهذا سيطيعك. هو يريد أن يتغلب عليك. فلو أنت جريت، سيجري خلفك. لو ضربته، سيضربك. لكن لو وقفت ثابتًا وقلت له: اضربني، لن يضربك.

بالتأكيد أن هذه الطريقة لم تطبق على مستوى فردي فقط، بهذه الطريقة قام غاندي بتحرير الهند، قال لا تقاوموا السلطات البريطانية، دعوهم يضربوكم وقفوا ثابتين، كما أن غاندي نفسه قال أنا أتبع يسوع.

مارتن لوثر كينج قام بنفس الشيء، قال للسود عندما تأتيكم الشرطة البيضاء ليضربوكم، لا تردوا بالضرب، بل قفوا ثابتين ولا تضربوا. لا تجروا ولا تضربوا.

وهكذا حرر غاندي الهند من البريطانيين، وحصل مارتن لوثر كينج على حقوق السود الاجتماعية.

لأن هذه طبيعة الإنسان.. عندما يضربك وأنت لا تضربه، تجعله يواجه شره.

هؤلاء هم “بنو الملكوت” من يقررون عدم مقاومة الشر بالشر، لكن يقاوموا الشر بالخير.

هذا هو أسلوب “بنو الملكوت”.

بر الملكوت

أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم

لا يجب أن تحب من هم لك! أو تنكر من تعرفهم!

يقول البعض: أنا وأخي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب.

فماذا يقول يسوع؟

البيئة التي عاش فيها يسوع كانت مليئة بالتعصب، فاليهود يعتبرون الرومان وثنيين وأممًا وكلابًا، والرومان يعتبرون اليهود مجانين ومهووسين وليسوا متعلمين، بل كان هناك تعصبًا بين اليهود وبعضهم، اليهود الذين كانوا في بابل واليهود العاديين الذين بقوا في الأرض. من لديه أرض ومن ليس له أرض، المتعلم وغير المتعلم، من يعرف العبرية ومن لا يعرف العبرية ويتكلم الآرامية فقط. كان هناك تعصبًا شديدًا.

قال يسوع: قد سمعتم أنه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك، أما أنا (يسوع) فأقول: أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم (متى 44:5).

ما هذا؟! أحب عدوي!

لا يقصد يسوع بمحبة الأعداء أن يكون لدينا مشاعر فياضة تجاههم، ولا حتى أن نكون في علاقة معهم.

لكن المقصود بمحبة الأعداء أنك لا ترغب في أن تنتقم، وتريد الخير للآخر، وتعمله إن استطعت.

الحقيقة أنك عندما تحسن إلى إنسان يسيء إليك؛ فبذلك تضعه في موقف صعب، أنت تجعله يتلامس مرة أخرى مع ذاته الحقيقية المخلوقة على صورة الله.

هؤلاء هم “بنو الملكوت”، إنهم يعطوا لمن لا يعطهم، ويتمنوا الخير لمن لا يتمنى لهم الخير.

 

نقلًا عن د. أوسم وصفي

لا نحلفأحبوا أعداءكم

من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا

 

يفيدك أيضًا الاطلاع على:

ملكوت الله – بنو الملكوت

اقتراب ملكوت الله | بنو الملكوت | ج1

اقتراب ملكوت الله | بنو الملكوت | ج2

بر الملكوت | بنو الملكوت | ج1

أسلوب حياة الملكوت | بنو الملكوت

قوة ملكوت الله | بنو الملكوت | ج1

قوة ملكوت الله (المحبة) | بنو الملكوت | ج2

 

شاهد سلسلة بنو الملكوت – د. أوسم وصفي

 

د. أوسم وصفي
استشاري الطب النفسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ

اشترك معنا